كلمة رئيس المدينة

د. أحمد زويل، رئيس المجلس الاستشاري الأعلى

د. أحمد زويل، رئيس المجلس الاستشاري الأعلى

على مدار آلاف السنين، قَدَّمَتْ مصر إسهامات عظيمة في تطوُّر البشرية وتَقَدُّم المجتمع. وباعتبارها مَهْد الحضارة ومنارة للعلم، كانت مصر رائدةً في مجال الاكتشافات العلمية، والابتكارات التي وَضَعَت الأُسس للعديد من المجالات العلمية، كالفَلَك، والكيمياء، والطب، وكذلك الهندسة، التي ما زال التفوق المصري فيها مشهودًا إلى يومنا هذا في العمارة المهيبة للأهرامات ومعبد الكرنك. إنّ مصر شاهدٌ حيّ على العلاقة بين قوة المعرفة، وتطوُّر المجتمع.

منذ ما يقرب من ألف سنة، مَهَّدَت الحضارةُ الإسلامية الطريقَ إلى النهضة الأوروبية، من خلال العديد من الإسهامات في المعرفة العلمية. وقبل قرنين فقط من الزمان، وفي ظل القيادة الحكيمة لمحمد علي باشا ـ حاكم مصر في الفترة من عام 1805 إلى 1848، الذي شاع وَصْفه بأنه مؤسِّس مصر الحديثة ـ شهدت مصر نهضة كبيرة في مجالات عديدة، منها: التعليم، والثقافة، والصناعة، والزراعة، والتجارة، حيث أصبحت مصر قوة إقليمية عظمى ذات ثقل في تلك الفترة، خاصة فى المجالين: الصناعي والعسكري. وكان الإصلاح التعليمي هو العنصر الحقيقي الحاسم في بناء هذه النهضة.

أفرزت الثورةُ المصرية الأخيرة ـ في عصرنا الحالي ـ تحدِّيات ضخمة ومستعصية على جميع المستويات، كما قدمت لمصر ـ في الوقت نفسه ـ دافعًا قويًّا للتحرك نحو المستقبل باستراتيجية جديدة، من شأنها أن تمكِّن البلاد من استعادة دورها على المستويين: الإقليمي، والعالمي.

الجزء الأول من هذه الاستراتيجية هو بناء جيل جديد من القادة، والعلماء، ورجال الأعمال، قادر على إحداث تأثير كبير في المجتمع. أمّا الجزء الثاني من الاستراتيجية، فهو تقديم الجديد المجالات العلمية الحديثة المتطورة، التي تتواءم مع اتجاهات السوق، والاحتياجات الوطنية.

وقد بات من الواضح أن خَلْق التنمية المستدامة عن طريق الصناعة  أصبح مبنيًّا على مخرجات البحث العلمي؛ ما يتطلب نظامًا جديدًا للتعليم والبحث العلمي.

 تستند مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا ـ مشروع مصر القومي للنهضة العلمية ـ إلى رؤية، تم وَضْعها لتأسر خيال المصريين وتلهب حماسهم، وتُقَدِّم الدليل على قوة العِلْم في بناء المستقبل. ومثلما قدَّم السَّدُّ العالي بأسوان الطاقةَ اللازمة لبناء قاعدة صناعية قوية، فإن مشروع مصر القومي للنهضة العلمية في هذا العصر ـ عصر العِلْم ـ لا بد أن يقدم الطاقة اللازمة للعقول، حيث أنّ المعرفة هي نور الحياة، وأنّ الاقتصاد القائم على المعرفة هو الطريق الوحيد لتحسين وزيادة الإنتاجية الوطنية.

ومدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا ليست في عزلة عن المجتمع، ولهذا؛ أصبح لزامًا عليها أن تتعاون مع كافة الجهود في مجالات البحث العلمي، سواء أكانت هذه الجهود حكومية، أَم غير حكومية، أَم مجتمعية، أَم مدنية.

مِن أجل الإسهام بشكل كبير في تنمية مصر، فقد أسست مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا هيكلها من خمس مكوِّنات، تحدِّد مسارها، من التعليم الجامعي، إلى البحوث والتنمية، إلى اقتصاديات السوق المحلي والعالمي.

كان أوَّل مكوِّن للمدينة هوجامعة العلوم والتكنولوجيا، التي أُنشئت من أجل إعداد جيل جديد من العلماء ورجال الأعمال.. جيل قادر على التفكير الناقد والإبداعي، وإتقان العلوم الأساسية.. جيل يمتلك من المعرفة أحدثَ ما توصَّل إليه العِلْم في المجالات متعددة التخصصات: في العلوم الأساسية، والتطبيقية، والهندسية.

أمّا المكوِّن الثاني للمدينة، فهو مجموعة مختلفة من أحدث المعاهد البحثية، حيث يتم في هذه المعاهد البحثية ذات المستوى العالمي تنفيذ نظريات العلم، كما يتم تناوُل الأولويات الاستراتيجية؛ ومعالَجتها، وكذلك معالجة المشكلات المتأصلة، ذات الصلة بالبلد. والأمثلة على ذلك تشمل التوصُّل إلى علاجات للأوبئة، والأمراض المعدية، مثل: مرض السُّكَّرِي، والتهاب الكبد الوبائي، وهما من الأمراض المنتشرة على نطاق واسع في مصر. هناك أيضاً العديد من الأبحاث التي تهتم بإيجاد مصادر بديلة للطاقة، بما في ذلك الطاقة الشمسية، التي تمتلك مصر وفرة عظيمة منها.

كما يوجد جبهة أخرى للدراسة في تلك المعاهد البحثية، تتمثل في استكشاف كوكب الأرض والكواكب المحيطه به، وكذلك القوى الكونية، من خلال دراسة الفيزياء الأساسية للكون.

أمّا الأبحاث الأصلية التي تعمل المدينة على تطويرها فهي تلك القابلة للنقل إلى الصناعة وذلك من خلال المكوِّن الثالث للمدينة: هرم التكنولوجيا. يُعَدُ هرم التكنولوجيا محور رائد في مجال الابتكارات عالية التقنية والتنمية، ويعمل على استقطاب الشركات الدولية، وكذلك احتضان الشركات الوطنية الناشئة والشركات المنبثقة منها.

أمّا المكوِّن الرابع، فهو أكاديمية صُمِمَت لإعداد الطلاب المتفوقين في المرحلة الإعدادية في المدرسة للتعليم الحديث على المستوى الجامعي.

وأخيراً، المكوِّن الخامس، وهو مركز الدراسات الاستراتيجية، الذي يهدف إلى إجراء دراسات الجدوى الاقتصادية على نطاق واسع، وذلك في جميع المجالات التي تم تحديدها كأولويات وطنية.

وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية الحالية الكثيرة، فقد قرر المصريون الاستثمار في المستقبل، حيث وَفَّرَت الحكومةُ الأراضي والمباني الأوَّلية لمشروع مصر القومي للنهضة العلمية. أمّا المصريون في داخل البلاد وخارجها، فقد شرعوا في تقديم التبرعات للمدينة ـ وما زالوا مستمرين في تلك التبرعات ـ بمبالغ تراوحت ما بين عشرة جنيهات، قَدَّمَها طفل من أطفال هذه الأمة العظيمة، وملايين الجنيهات التي قَدَّمَها مواطنون مصريون عظماء كالدكتور حسن عباس حلمي والأستاذ سميح ساويرس.

بالقَدْر ذاته من الأهمية، حصلت مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا على دعم مالي من مؤسسات وطنية عديدة في مصر، بدأ بإسهامٍ من البنك الأهلي المصري، وتَبِعَتْه إسهامات مقدَّمة من بنك مصر، والبنك التجاري الدولي (CIB). كما لعب شباب الثورة الداعمون لمدينة زويل ـ المعروفون باسم (أصدقاء مدينة زويل) ـ دورًا مهمًّا في حملة جمْع التبرعات للمدينة.

وقد نجحت مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا في جذب علماء على مستوى عالمي؛ لتَبَنِّي رؤيتها، والانضمام إليها، ومساعدة مصر؛ لكي تصبح لاعبًا رئيسيًّا في العلوم والتكنولوجيا على الصعيدين: الإقليمي، والعالمي.

وفي الوقت الحالي، تُجْرِي مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا بحوثًا في مجالات الفيزياء الأساسية، والطب الحيوي، والطاقة الشمسية، وتكنولوجيا النانو، وغيرها من المجالات.

استقبلت المدينةُ الدفعة الأولى من الطلاب في جامعة العلوم والتكنولوجيا عام 2013، حيث تم قبول 300 طالب من أصل 6000 من المتقدمين للالتحاق بها، أيما يعادل 5٪ فقط من عدد المتقدمين، وهي النسبة المماثلة لتلك الموجودة في الجامعات العالمية، مثل جامعة هارفارد، وجامعة ييل. كما تم تعيين فريق عمل من الموظفين ذوي الكفاءة العالية، سواء في المبنى الإداري للمدينة في منطقة جاردن سيتي بالقاهرة، أَم في الحرم الجامعي في مدينة السادس من أكتوبر (وهي ضاحية من ضواحي القاهرة أيضًا)، وهو الآن يعمل بصورة كاملة

بالإضافة إلى ذلك، فإن أعمال البناء والإنشاء في الموقع الجديد لمدينة زويل تتم بخطى ثابتة. فقد تم منح مدينة زويل مساحة 200 فدان لتكون موقع المدينة الجديد في منطقة حدائق أكتوبر. يقوم بأعمال البناء في الموقع الجديد الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وستم الانتهاء من أعمال البناء بالمرحلة الأولى في سبتمبر 2015.

إنّ اِلْتِزامي بدعم المشروع ما زال ثابتًا، لا يتزعزع، وإنني مستمر في قيادة المجلس الاستشاري الأعلى لمدينة زويل، الذي يضم خمسة من الحائزين على جائزة نوبل، بالإضافة إلى العديد من الشخصيات الوطنية والدولية المتميزة.

بالرغم من كل هذه الإنجازات، لا يزال لدينا الكثير من التحديات، لكننا نتوقع العديد من الفُرَص؛ لرفع الإنتاجية الوطنية ودَفْعها؛ لنصل بها إلى مستوى الدول المتقدمة.

ومع التزام المصريين تجاه مشروع مصر القومي للنهضة العلمية ، إلى جانب التعاون مع المؤسسات البحثية والتعليمية الأخرى داخل البلاد وخارجها، فأنا على ثقة مِن أننا سننجح، ونثبت شعار المدينة.. "مصر تستطيع"، خلال هذه الحقبة التاريخية من الصحوة التي تحدث في مصر والدول العربية.

د. أحمد زويل

رئيس المجلس الاستشاري الأعلى